لا شك من أن التطور السريع الذي حققته دولة الإمارات العربية المتحدة في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية وضعها على قائمة الدول المتقدمة ويرجع ذلك إلى السياسات الحكيمة المتبعة منذ بداية تأسيس دولة الإمارات، وكان لحماية البيئة الطبيعية في البر والبحر اهتماماً بالغاً من حكومة الدولة التي أصدرت أول قوانين لتنظيم الصيد وحمياة الحياة البرية والفطرية قبل حوالي 30 عاماً، إضافة إلى كون دولة الإمارات طرفاً في المعاهدات الدولية حول التنوع البيولوجي، تغير المناخ، بروتوكول كيوتو لتغير المناخ، التصحر، الأصناف المهددة بالانقراض، النفايات الخطرة، إلقاء النفايات في البحر، حماية طبقة الأوزون وغيرها من المعاهدات.
هذا وقد شكلت قضية المحافظة على البيئة وتنميتها على الدوام هاجساً ملحاً لفقيد الإمارات الكبير المغفور له بإذن الله صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، فقد أدرك بفطرته الحكيمة ونظرته الثاقبة أهمية هذا القضية في تطوير مستقبل دولة الإمارات والحفاظ على مواردها للأجيال القادمة، فقد كان شديد الوضوح في أهمية البيئة في قوله: "إن بيئتنا ومواردنا ليست ملكنا، بل هي أمانة عهد بها إلينا وعلينا جميعاً مسؤولية تأمين الرعاية لها، والعناية بها وتسليمها سالمة من الأضرار للأجيال القادمة....".
وتأكيداً على التزام الدولة بالمشاركة في الجهد العالمي المبذول للمحافظة على البيئة وتنمية مواردها بشكل مستدام إضافة إلى التعريف بالجهود الضخمة التي تبذلها مختلف الجهات المعنية في سبيل الحفاظ على البيئة فقد تم تخصيص يوم الرابع من فبراير من كل عام يوماً وطنياً للبيئة في دولة الإمارات العربية المتحدة بموجب قرار رقمه 1071997 وافق عليه مجلس الوزراء الموقر وهو التاريخ الذي يصادف ذكرى إنشاء الهيئة الاتحادية للبيئة وذلك بهدف إبراز الاهتمام والرعاية الدائمة التي توليها قيادتنا الرشيدة للعمل البيئي من مختلف جوانبه إضافة إلى لفت الانتباه إلى أهمية البيئة وقضاياها، وحث الأفراد والجماعات على المشاركة الإيجابية في حمايتها، والسعي لإنشاء مجموعات تستقطب جمهور المهتمين والراغبين بالمشاركة في حماية البيئة. [28]
وتأخد وزارة البيئة والمياه في دولة الإمارات على عاتقها، إضافة إلى الدوائر والجهات المحلية في كل إمارة بمسؤولية تعزيز الوعي بأهمية الحفاظ على البيئة والحياة الطبيعية في الدولة. كما تتبنى تلك الجهات العديد من المبادرات مثل مبادرة الحد من استخدام الأكياس البلاستيكية، ومبادرة توعية المسافرين بإجراءات الحجر البيطري والزراعي تحت شعار "قد يضرك ما تحمله" وتهدف إلى توعية المسافرين والتعريف بالحجر الزراعي والبيطري وأسبابالحظر وباتفاقية السايتس وطرق الاستيراد السليمة وقانون الرفق بالحيوان والتعريفبإجراءات استيراد الحيوانات والنباتات للحفاظ على سلامتهم وسلامةبيئة دولة الإمارات.
وتسعى دولة الإمارات بقيادة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة لأن تكون نموذجاً ناجحاً للاقتصاد الأخضر حيث أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي في بداية عام 2012 إطلاق مباردة وطنية طويلة المدى لبناء اقتصاد أخضر في دولة الإمارات تحت شعار "اقتصاد أخضر لتنمية مستدامة" تهدف من خلالها دولة الإمارات لتكون أحد الرواد العالميين في هذا المجال ومركزا لتصدير وإعادة تصدير المنتجات والتقنيات الخضراء إضافة إلى الحفاظ على بيئة مستدامة تدعم نموا اقتصاديا طويل المدى حيث تشمل المبادرة مجموعة من البرامج والسياسات في مجالات الطاقة والزراعة والاستثمار والنقل المستدام إضافة إلى سياسات بيئية وعمرانية جديدة تهدف لرفع جودة الحياة في الدولة .
وتشمل مبادرة الاقتصاد الأخضر على ستة مسارات رئيسية تغطي مجموعة كبيرة من التشريعات والسياسات والبرامج والمشاريع حيث يشمل المسار الأول الطاقة الخضراء وهي مجموعة من البرامج والسياسات الهادفة لتعزيز إنتاج واستخدام الطاقة المتجددة والتقنيات المتعلقة بها، بالإضافة لتشجيع استخدام الوقود النظيف لإنتاج الطاقة والعمل على تطوير معايير وتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة في القطاعين الحكومي والخاص . أما المسار الثاني فيشمل السياسات الحكومية والهادفة لتشجيع الاستثمارات في مجالات الاقتصاد الأخضر وتسهيل عمليات إنتاج واستيراد وتصدير وإعادة تصدير المنتجات والتقنيات الخضراء إضافة إلى العمل على خلق فرص العمل للمواطنين في هذه المجالات وتجهيز الكوادر الوطنية في هذا المجال . أما المسار الثالث للمبادرة فيأتي تحت عنوان المدينة الخضراء حيث يشمل مجموعة من سياسات التخطيط العمراني الهادفة للحفاظ على البيئة ورفع كفاءة المساكن والمباني بيئيا كما يشمل مبادرات لتشجيع وسائل النقل الصديقة للبيئة أو ما يسمى بالنقل المستدام بالإضافة لبرامج تهدف لتنقية الهواء الداخلي للمدن في دولة الإمارات لتوفير بيئة صحية للجميع. ويشمل المسار الرابع التعامل مع آثار التغير المناخي وذلك عبر سياسات وبرامج تهدف لخفض الانبعاثات الكربونية من المنشآت الصناعية والتجارية بالإضافة لتشجيع الزراعة العضوية عن طريق مجموعة من الحوافز على المستويين الاتحادي والمحلي . .كما يشمل هذا المسار الحفاظ على التنوع البيولوجي وحماية التوازن البيئي لجميع الكائنات البرية والبحرية في بيئة دولة الإمارات . أما المسار الخامس فيسمى الحياة الخضراء حيث يشمل مجموعة من السياسات والبرامج الهادفة لترشيد استخدام موارد الماء والكهرباء والموارد الطبيعية بالإضافة لمشاريع إعادة تدوير المخلفات الناتجة عن الاستخدامات التجارية أو الفردية . . كما يحتوي هذا المسار على مبادرات التوعية والتعليم البيئي للجمهور سواء عن طريق القطاعات التعليمية أو عبر وسائل التوعية الإعلامية بما يضمن رفع مستوى تفاعل الجمهور مع كافة مبادرات الاقتصاد الأخضر . أما المسار السادس والأخير في مبادرة الاقتصاد الأخضر فيشمل التكنولوجيا والتقنية الخضراء حيث سيركز هذا المسار في مرحلته الأولى على تقنيات التقاط وتخزين الكربون بالإضافة لتقنيات تحويل النفايات إلى طاقة ما يسهم في التخلص من النفايات بطريقة اقتصادية تسهم في تلبية بعض احتياجات الطاقة كما سيركز هذا المسار أيضا على تقنيات تعزيز الكفاءة وهي التقنيات التي تقلل من استخدامات الطاقة اليومية واستهلاكها بالنسبة للشركات أو الأفراد من دون التأثير في الإنتاج النهائي .[29]