كانت حدود دولة الصين قبل هذا العهد لا تتعدى حدود القسمين: الأوسط والساحلي، من حوض النهر الأصفر. وفي عهد سلالة تشو هذه اتسعت الحدود غربًا وجنوبًا وشملت حوض النهر الأزرق أيضًا. وكان يحكم الصين في هذا العهد ملوك من أبناء تلك السلالة يُلقب واحدهم "بابن السماء"، ويُعاونه موظف كبير مثل رئيس الوزراء حاليًا. وكانت أعمال الدولة موزعة على ست إدارات هي: الزراعة، والحرب، والأشغال العامّة، والماليّة، والشؤون الدينيّة، والعدليّة، وكان على رأس كل إدارة موظف كبير مسؤول أمام الملك ومعاونه.[37]
كونفوشيوس.
كانت الزراعة هي مورد العيش الرئيسي للسكان، وتطورت أساليبها، وشُقت الأقنية للريّ من مياه النهر الأصفر والنهر الأزرق. ولكن ذلك لم يمنع ازدياد عدد المدن، واتساع مساحتها وظهور طبقة متوسطة فيها من التجّار والصنّاع وأصحاب الحرف.[37] وقد اشتهر هؤلاء بصورة خاصة بصناعة التحف والمجوهرات من العاج والمعادن الثمينة والحجارة الكريمة كالمرجان والزمرد والياقوت. وقد تطوّر أسلوب الكتابة في هذا الدور من الطريقة التصويرية الذاتيّة إلى الطريقة التصويرية المقطعيّة، وهي الطريقة المعتمدة حاليًا في الصين، لأن الصينيين لم ينتقلوا بعد ذلك إلى مرحلة الكتابة الأبجدية كما يعرفها العالم الحديث.[37]
حقق الصينيون في عهد سلالة تشو تقدمًا عظيمًا في حقل العلم ولا سيما علم الفلك. ففي سنة 444 ق.م توصلوا إلى تحديد طول السنة بثلاثمائة وخمسة وستين يومًا وربع، ورصدوا النجوم وجمعوا معلومات دقيقة وصحيحة كثيرة عنها. ولكن أبرز ما اشتُهر به عهد سلالة تشو ظهور الفيلسوف كونفوشيوس. وُلد هذا الرجل حوالي سنة 551 ق.م، وقضى معظم حياته بعد الثالثة والعشرين في التدريس والتبشير بتعاليم فلسفته الخاصة، وتتلخص هذه الفلسفة في أن الإنسان ليس شريرًا بطبعه بل هو طيّب الجوهر وحسن العنصر، فإذا رُبي تربية صالحة أصبح إنسانًا خيرًا ومواطنًا كريمًا. وبعد وفاة كونفوشيوس تابع تلاميذه نشر تعاليمه، وصار له أتباع كثيرون، فألّهوه وأقاموا له التماثيل والهياكل ونظموا له الطقوس والعبادات. وكان لتعاليم كونفوشيوس تأثير كبير في تطور الحضارة الصينية، فقد أثّرت أراؤه في أخلاق الناس وتفكيرهم وانعكست في سلوكهم وعاداتهم وتقاليدهم، ولكنها إلى جانب ما كان لها من فضائل وحسنات، فقد أضرّت الصينيين وتسببت في تأخرهم وجمودهم، ذلك أن تقديسها للسلف وتمسكها بالماضي وتعلقها بعاداته وتقاليده منعها من التقدّم وحال دون مجاراتها ركب الحضارة المتطور في البلدان الأخرى.