(وإذ قال إبراهيم ربّ أرني كيف تحيي الموتى، قال أولم تؤمن. قال بلى ولكنْ ليطمئنّ قلبي. قال فخذْ أربعةً من الطّير فصُرْهُنَّ إليك، ثمّ اجعلْ على كلّ جبل منهنَّ جزءاً، ثمّ ادعُهنَّ يأتينَكَ سَعياً، واعلمْ أنّ الله عزيزٌ حكيم) صدق الله العظيم.
(سورة البقرة الآية: 260).
كان سيِّدُنا إبراهيمُ عليه السلام يعيش في مدينة (بابل) في العراق، وكان يحكمها في ذلك الوقت ملك يقال له (النمرود بن كنعان) استطاع أن يملك مشارق الدنيا ومغاربها، وطالت مدة حكمه حتى قيل إنه مكث في ملكه أربع مئة سنة، وهذا ساعده على الطغيان والجبروت والكفر، فادّعى الألوهيّة.
وفي يوم من الأيام أراد النمرود أن يحاجج (يجادل) سيّدنا إبراهيم في ربّه، فطلب منه دليلاً على وجود إله غيره، فقال له إبراهيم:
- إنّ ربّي الذي يحيي ويميت.
ردّ عليه النمرود بقوله:
- أنا أيضاً أحيي وأُميت. ولكي يبرهن على ذلك، أحضر رجلين قد استحقا القتل فأمر بقتل أحدهما، وعفا عن الآخر، وذلك لكي يوهم إبراهيم بأنه قادر على إحياء الموتى.
عندها انتقل إبراهيم إلى آية أخرى من آيات الله عزّ وجلّ، ولم يناقشه في فهمه السقيم للحياة والموت فقال له:
(إنّ الله يأتي بالشمس من المشرق فأتِ بها من المغرب).
أي إذا كنت تدّعي أنك تستطيع أن تحيي وتميت فهل تستطيع أن تغيّر مجرى الكون، فتأتي بالشمس من المغرب بدل المشرق؟
وهنا خرس النّمرود ولم يعد يستطيع الكلام، بعد أن قامت عليه الحُجّة.
وبعد تلك المناظرة التي فاز بها سيّدنا إبراهيم، وانهزم النمرود الكافر، خلا سيّدنا إبراهيم بنفسه، وسأل ربَّه أن يريه كيف يحيي الموتى.. أحبّ في ذلك أن يترقّى من علم اليقين إلى عين اليقين، وأن يرى ذلك مشاهدة فقال:
(ربّ أرني كيف تحيي الموتى).
فسأله ربُّ العزة :
(أولم تؤمن؟
قال: بلى ولكن ليطمئنّ قلبي).
عندها أمره الله تعالى أن يأخذ أربعة طيور، وهم الحمامة والديك والطاووس والغراب، وأمره أن يذبحهنّ وينتف ريشهنّ، ويقطعهنّ قطعاً صغيرة، ويخلط لحومهنّ بريشهنّ، ثم يضع على كلّ رأس جبل جزءاً منهنّ، ثم يمسك رؤوس الطير بيديه، ويسمّي الله تعالى ويدعوهنّ بدعاء علّمه الله إياه، ثم ينتظر قليلاً، ليرى ما يحصل.
وبينما كان إبراهيم عليه السلام واقفاً متفكراً في خلق الله إذا بالطيور تأتي إليه واحدة بعد الأخرى، فأخذهنّ وذبحهنّ وقطعهنّ وخلط لحومهنّ بريشهنّ كما أمره الله به، ثم وضع على رأس كل جبل جزءاً من لحوم الطير المخلوطة ببعضها البعض.
وبينما إبراهيم عليه السلام ينظر إلى رؤوس الجبال التي وضع عليها أجزاء لحوم الطير وريشها إذا بالريش يطير إلى الريش، والدم إلى الدم، واللحم إلى اللحم، وكلّ جزء إلى الجزء الذي يخصّه، حتى قام كلّ طائر على حدة، وأتَيْنَه سعياً، وَوَقَفْنَ بين يديه بدون رؤوس، ليكون المشهد أبلغ، والرؤية أوضح، ثم أخذ كلُّ طائر رأسَه من بين يدي إبراهيم عليه السلام، فإذا قدّم له رأساً غير رأسه، امتنع أن يأخذه، وإذا قدّم له رأسه التصق مع بقيّة جسده بقدرة الله عزّ وجلّ وقوّته وعظمته.. عندها خرّ إبراهيم ساجداً لله عزّ وجلّ، قائلاً في خشوع وخجل:
(أعلم أنّ الله على كل شيء قدير).