1
المقدمة :
هي صفة من أهم الصفات التي يجب أن يتحلى بها المسلم ، خلق من الأخلاق التي اتصف بها نبينا الكريم و صحبه ، هذا الخلق هو خلق الكرم الذي هو نقيض البخل ، أعاننا الله على الكرم و أبعدنا عن البخل و شح القلوب .
2
العرض :
الكرم يطلق على كل ما يحمد من أنواع الخير و الشرف و الجود و العطاء ، و الإنفاق و هو بذل المال أو الطعام أو أي شيء نافع عن طيب نفس دون إجبار أو إرغام ، و قد سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم : من أكرم الناس ؟ قال : أتقاهم لله، قالوا : ليس عن هذا نسألك فقال: أكرم الناس يوسف نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله (رواه البخاري) ، فالرسول صلى الله عليه و سلم وصف يوسف عليه السلام بالكرم لأنه اجتمع له شرف النبوة و العلم و العفة و كرم الأخلاق و العدل و رياسة الدين و الدنيا، و هو أيضا نبي ابن نبي ابن نبي .
أنواعه :
بما أن الكرم يطلَق على ما يحمد من الأفعال ؛ فإن له أنواعًا كثيرة منها :
1) الكرم مع الله عز وجل : المسلم يكون كريمًا مع الله بالإحسان في العبادة والطاعة، ومعرفة الله حق المعرفة، وفعل كل ما أمر به، والانتهاء عما نهى عنه.
2) الكرم مع النبي صلى الله عليه وسلم : ويكون بالاقتداء بسنته، والسير على منهجه، وإتباع هديه، وتوقيره .
3) الكرم مع النفس : فلا يهين الإنسان نفسه، أو يذلها أو يعرضها لقول السوء أو اللغو، وقد وصف الله عباد الرحمن بأنهم : (وإذا مروا باللغو مروا كرامًا)"الفرقان72" .
4) الكرم مع الأهل والأقارب : المسلم يكرم زوجه وأولاده وأقاربه، وذلك بمعاملتهم معاملة حسنة، والإنفاق عليهم ، فخير الإكرام والإنفاق أن يبدأ المسلم بأهله وزوجته ، قال الله صلى الله عليه وسلم: دينار أنفقتَه في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة (إعتاق عبد)، ودينار تصدقتَ به على مسكين، ودينار أنفقتَه على أهلك، أعظمها أجرًا الذي أنفقتَه على أهلك (رواه مسلم) ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا أنفق المسلم نفقة على أهله وهو يحتسبها (أي ينوي عند إنفاقها أنها خالصة لوجه الله)، كانت له صدقة (متفق عليه) ، فالصدقة على القريب لها
3
أجر مضاعف؛ لأن المسلم يأخذ بها ثواب الصدقة وثواب صلة الرحم ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم :الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم (القريب) ثنتان : صدقة، وصلة (رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه) .
5) إكرام الضيف : قال النبي صلى الله عليه وسلم : من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذِ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت (متفق عليه) .
6) الكرم مع الناس : طرق الكرم مع الناس كثيرة؛ فالتبسم في وجوههم صدقة، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال : لا تحقرن من المعروف شيئًا، ولو أن تلقي أخاك بوجه طلق (رواه مسلم) .
كرم النبي صلى الله عليه وسلم :
- عن أنس رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم أحْسَنَ الناس، وأجْوَد الناس، وأشْجَعَ الناس (رواه البخاري ومسلم) .
- وصل به الكرم صلى الله عليه وسلم إلى أن يعطي ثوبه الذي عليه، فقد روي أن امرأة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم بِبُرْدة فقالت : يا رسول الله أكْسوك هذه ؟ فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها، فَلَبسَها، فرآها عليه رجل من الصحابة، فقال : يا رسول الله، ما أحْسَنَ هذه، فاكْسُنيها . فقال نعم . فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم لامه أصحابه فقالوا: ما أحسنْتَ حين رأيت َالنبي صلى الله عليه وسلم أخَذها مُحتاجاً إليها، ثم سألتَهُ إياها، وقد عرفتَ أنه لا يُسْأَل شيئاً فيمنعه . فقال: رجوتُ بَرَكَتَهَا حين لَبِسها النبي صلى الله عليه وسلم- ؛ لَعَلَّي أُكَفَّن فيها . (رواه البخاريُّ). هكذا كان كرم عليه الصلاة والسلام لا يرد سائل أبدا مهما طلب .
- وأتي بمال من البحرين فقال : انثُروه في المسجد، وكان أكثر مالٍ أُتي به، فخرج إلى الصلاة، ولم لتفت إليه، فلمّا قَضَى الصلاة جاء فجلس إليه، فما كان يرى أحداً إلَّا أعطاه، وما قام وثَمَّ منهادرهم. فيا لله من نفس كريمة سخية، مليئة بالقناعة فزهدت عن حطام
4
- الدنيا واشتاقت إلى الفردوس الأعلى. ويا لله ما أكرمه من نبي يعطي عطاء من لا يخشى الفقر فقد جاء في مغازي الواقدي أنه عليه الصلاة السلام أعطى صفوان وادياً مملوءاً إبلاً ونعماً، فقال صفوان : أشهد ما طابت بهذا إلا نفس نبي .
- وفي الصحيحين عن جبير بن مطعم : أن الأعراب علقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم مَرْجِعَهُ حُنَيْن، يسألونه أن يقسم بينهم فقال : لو كان لي عَدَدُ هذه العَضَاةِ نَعَماَ، لقَسمتُه بينكم، ثملا تجدوني بخيلاً، ولا كذوباً، ولا جباناً .
- فالمال لا يدخره ولا يكنزه لنفسه ، فقد جاء عن أنس رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدَّخر شيئاً لغدٍ (رواه الترمذي وصححه الألباني) .
- بل إنه وصل الحد بكثير من الكفار أن يسلموا طمعاً في كرمه صلى الله عليه وسلم ففي صحيح مسلم عن أنس رضي الله عنه قال : ما سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً إلا أعطاه، فجاء رجل فأعطاه غنماً بين جبلين، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم أسلموا فإن محمداً يعطي عطاء من لا يخشى الفاقه" قال أنس: إن كان الرجل ليُسلم ما يريد إلا الدنيا فما يُمسي حتى يكون الإسلام أحبَّ إليه من الدنيا وما عليها.
- وها هو عليه الصلاة والسلام لا يطمئن له بال ولا يستقر له قرار وفي بيته مال إلا بعد أن ينفقه ، فقد جاء عن سمرة بن جندب رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقول :إني لألج هذه الغرفة ما ألجها إلاّ خشية أن يكون فيها مالُ فأتوفى ولم أنفقه (رواه الطبراني وحسنه الألباني) .
- وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة دنانير وضَعها عند عائشة، فلَّما كان عند مرضه قال: يا عائشة، ابعثي بالذهب إلى علي ، ثم أغمي عليه ، وشغل عائشة ما به، حتى قال ذلك مراراً. كل ذلك يغمى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشغل عائشة ما به، فبعث إلى عليٍّ فتصدَّق بها، وأمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الاثنين في جديد الموت ، فأرسلت عائشة بمصباح لها إلى امرأة من نسائها، فقالت: أهدي لنا في مصباحنا من عُكَّتك السَّمْن، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمسى في جديد الموت (رواه الطبراني وصححه الألباني) .
5
- وهكذا يتمنى عليه الصلاة والسلام لو أن جبل أحدٍ ذهبا ينفقه في سبيل الله، فقد جاء عن أبي ذرٍّ، أن النبي صلى الله عليه وسلم التفت إلى أُحُدٍ فقال : والذي نفسي بيده، ما يَسُرُّني أن أُحُداً تحوَّل لآلِ محمدٍ ذهباً، أُنفقه في سبيل الله، أموتْ يومَ أموتُ أدَعُ منه دينارين ، إلَّا دينارين أُعدُّهما للدَّيْن إنْ كان (رواه أحمد وحسنه الألباني) .
فضل الكرم :
ثواب الجود والإنفاق عظيم، وقد رغَّبنا الله فيه في أكثر من موضع من القرآن الكريم .
- قال الله تعالى : (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم)"البقرة: 261" .
- وقال تعال : (وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون)"البقرة: 272".
- وقال تعالى : (الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرًّا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون)"البقرة: 274".
1) الكرم يقرب من الجنة ويبعد عن النار : قال الله صلى الله عليه وسلم : السخي قريب من الله،قريب من الجنة، قريب من الناس، بعيد من النار. والبخيل بعيد من الله، بعيد من الجنة، بعيد من الناس، قريب من النار (رواه الترمذي) .
2) الكرم بركة للمال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان، فيقول أحدهما: اللهم أعطِ منفقًا خلفًا، ويقول الآخر: اللهم أعطِ ممسكًا تلفًا (رواه البخاري) ، وقال الله في الحديث القدسي : "أنْفِقْ يا بن آدم أُنْفِقْ عليك" (متفق عليه) .
3) الكرم عِزُّ الدنيا، وشرف الآخرة، وحسن الصيت، وخلودُ جميل الذكر .
4) الكرم يجعل الإنسان محبوبًا من أهله وجيرانه وأقاربه والناس أجمعين .
مع كل هذه الفضائل فإن المسلم يحب أن يكون كريمًا، قال الله صلى الله عليه وسلم : لا حسد إلا في اثنتين : رجل آتاه الله مالا فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله حكمة، فهو يقضي بها ويعلمها (رواه البخاري) .
6
الخاتمة :
على المسلم أن يدرب نفسه على خلق الكرم، ويعودها عليه منذ صغره، وعليه أن يعلم أن المال مال الله ، وأنه نفسَه مِلْكٌ لله، وأن ثواب الله عظيم، وأنه يثق في الله، فلا يخشى الفقر إذا أنفق، وأن يتأسى بالنبي صلى الله عليه وسلم وبصحابته في إنفاقهم، وعليه أن يكثر من الجود والكرم في جميع أوقات